الحمد الله رب العالمين
وصلاة وسلامه على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد ووعلى آله وأصحابه أجمعين .
عباد الله : في نهاية كل فصلٍ
دراسي وفي آخر كل سنة تعليمية يمتحن الطلاب ، وتعقد لهم الاختبارات ليُرى مدى تحصيل
الطلاب وثمرة جهد المدرسين وحصيلة تعب السنة الدراسية ، ليعرف الجاد من المهمل
والناجح من الراسب ، ومن سيتخرج ومن سيعيد ، وهذه كلها مقاييسٌ يعرف بها مدى
الاستفادة من مامضى والاستعداد لما يستقبل ، وهانحن عباد الله قد تخرجنا جميعاً من
مدرسةٍ شهر رمضان التي يعدها الصالحون أعظم مدرسة يتخرج منها المؤمن ، فقد تعلمنا
فيها الصبر والتحمل والجود والإنفاق والبذل والإيثار على النفس ومواسات الفقراء ،
والمحافظة على الصلاة والمسابقة إلى الخيرات والجد والمثابرة والحرص على أعمال
الخير كلها، ألفنا قراءة القرآن وسماعه في ليلنا ونهارنا ، سمعنا المواعظ والدروس
الرمضانية في كل يوم من أيام رمضان ، لانت قلوبُنا ، خضعت جوارحُنا ، إنكسرت حدةَ
الشرِ في قلوبِنا وزكت نفوسِنا ، اتصلت قلوبُنا بخالقها وخشعت جوارحُنا لبارئها ،
امتلأت مساجدنا بالمصلين ، وعمرة بيوتنا بالتالين لكتاب الله عزوجل ارتجتِ المساجدَ
والبيوتِ بأصوات التالين لكتاب الله ، ترنمت به النساء والأطفال في البيوت ،
وازدانت به الشوارع والطرقات ، فلا تسمعُ إلا تالياً لكتاب الله أو مسبحاً لله أو
ذاكراً لمولاه ، ترى من كان لايدخل المسجد إلا قليلاً لايخرج منه إلا قليلاً ، ومن
لايقرأ القرآن إلا يسيراً لايتركه إلا يسيراً يختم القرآن ختمةً بعد ختمة ، ويعيد
النظر في كتاب الله مرةً بعد مرة ، وترى البخيل الذي لاينفق يسابق إلى الخيرات
فينفق الكثير ، ويعطي عطاء من لايخشى الفقر ، أما نظرت إلى موائد الإفطار وكيف
يتسابق المسلمون على تفطيرِ الصائمين الكل يبذل والله عزوجل يتقبل من الجميع .
عباد الله : كان من
المفترض أن نتخرج جميعاً من هذه المدرسة سادة في العباة وقادة في الطاعة ، نقضي
ليلنا كله أوبعضه ركعاً وسجوداً لله تعالى ونقضي نهارنا أو بعضه في قراءة القرآن
وتسبيح الملك الديان ، نجعل نومنا طاعة وأكلنا عبادة وذلك عندما نريد بأكلنا ونومنا
التقوي على طاعة الله عزوجل يقول أحدُ السلفِ رحمهم الله: إني لأحتسب نومتي كما
أحتسب قومتي ، وخيرٌ من ذلك قوله سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} .
عباد الله : هذه هي مدرسة
رمضان التي عشناها وتلذذنا فيها بالصيامِ والقيام وقراءة القرآن ، والصلاة والذكر
والمناجاة ، انكسرت فيها قلوبنا وخضعت فيها جوارحنا ، وذلت لربنا فيها رقابنا، وعلت
فيها أصواتنا بقراءة القرآن ، ولهجت فيها ألسنتنا بالذكر والدعاء ، وذرفت عيوننا من
خشية الرحمن ، فماهو المفترض أن نكون بعد رمضان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق