من أقوال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ

قولي صواب ويحتمل الخطأ وقول غير خطأ ويحتمل الصواب .



الخميس، 30 ديسمبر 2010

المحرومون من الخير

المحرومون من الخير
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
إخوتي في الله : دعوني في هذا الموضوع أن ألامس الحقيقة وأن أتكلم بصراحة عن هذه الحقيقة التي سيعترف بها كل منصف عاقل ولا ينكرها إلا مكابر أو جاهل ، وهذه هي واقع الكثير منا والله المستعان . هي واقع المسلمين عربهم وعجمهم بل هي واقع العالم بأسره .
هذه القضية التي أريد أن أتكلم عنها هي أن الكثير من الناس محرومون من الخير لايطرقون أبوابه ولا يحرصون على أسبابه.
عباد الله كل دعوى لا بد لها من إثبات حتى تصبح حقيقة والحقيقة مرة ولكن كما قال الشاعر:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركبٌ        فما حيلة المضطر إلا ركوبها
أيها الإخوة في الله : إذا نظرنا إلى واقع كثير من الناس نجد أنهم حرموا أنفسهم من الخير مع كونهم مسارعين في الشر أو فيما لا فائدة فيه.
ومن الأدلة على هذه الحقيقة أن كثيراً منا لا يأتي إلى المسجد إلا متأخراً ويخرج منه مسرعاً في حين أنه يدخل إلى مدرجات الملاعب مبكراً ولا يخرج إلا متأخراً وقل مثل ذلك في من يذهب إلى الحفلات ، يذهب إليها مبكراً  ويحرص ألا يفوت منها شيئاً ولا ينصرف إلا بعد نهايتها وبعد أن يسلم على أبطالها ومثل ذلك الذهاب إلى الأسواق وأماكن اللهو من مقاهي وغيرها التي يمضي فيها الساعات الطوال ويضيع فيها أثمن وأغلى الأوقات بل وبعضهم يقف في الشارع بالساعة والساعتين لمجرد سالفةٍ قد تكون كلها غيبة ولكنه عندما يدخل إلى المسجد لإداء الصلاة أو لسماع محاضرة أو درس أو ذكر  يستطيل الدقائق حتى تصبح عنده كأنا ساعات .
ومن الأدلة أيضاً أن أحدَنا إذا جاءه فقيرٌ يلتمس عنده المساعدة ويطلب منه العون وهو يعلم أنه محتاجاً وليس محتالاً بخل بما آتاه الله من فضله وإذا أصبح عنده مناسبة بذر وأتى بما لم يأت به الأغنياء فأتى بالمطربات والمغنيات وأتى بالشعراء والمطبلين وأحيا مناسبته بما حرم الله تعالى .
ومن الأدلة أيضاً أنه حينما يطلب من أحدنا التبرع لمشروع خيري، لا نجد من يدعمه إلا القليل ولا يساهم فيه إلا النزر اليسير في حين أن هناك أناس يدعمون مشاريع لا صلة لها بالخير . مثال ذلك إحجام الكثير عن دعم الجمعيات الخيرية ، مع أن هناك أناس يدعمون الإرهاب والتنصير وغيرها وهناك من يدعم المراقص وبرامج اللهو والأندية الرياضية .
ومن الأدلة أيضاً: على أن كثيراً من الناس حرم من الخير أنك عندما تجلس مع مجموعة من الناس وتثني على عالم أو عابد أو قائد أو تاجر أو غيرهم ممن يستحق الثناء لاتجد من يشاركك في الثناء عليهم إلا القليل ، وإذا اغتيب شخصاً تجد أن الجميع يتسابقون على الوقيعة في عرضه ويتفنون في اغتيابه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن الأدلة أيضاً : أنك عندما تقول لهم : إقرأوا هذا الكتاب فإنه مفيد لا يقرأونه وعندما تقول لهم: لا تقرأون هذا الكتاب لأنه يدعو إلى الشر أو يدعو إلى الرذيلة تجد أنهم يتسابقون على قراءته . وكذلك عندما تقول لهم: أدخلوا هذا الموقع فإنه موقع مفيد لا يدخله إلا القليل ، وإذا قلت: إن هذا الموقع سيء  تجد أنهم يتسابقون عليه . وقل كذلك في الصحف المجلات تجد أنهم لا يقرأون المواضيع الإسلامية وإن قرأوها فالعناوين فقط في حين أنهم يقرأون مواضيع الرياضة ومواضيع الفن حرفياً ويعيدون النظر فيها مراراً وتكراراً .
وفي هذا الزمن الذي انتشرت فيه المنتديات على شبكة الإنترنت تجد أن المنتديات الإسلامية خاوية على عروشها أعضائها قلة ومواضيها لا تقرأ في حين أن المنتديات غير الإسلامية أعضاؤها بالآلاف بل بعضها بالملايين ومواضيعها لا تعد ولا تحصى . كل ذلك دليل على أنهم حرموا من الخير والعياذ بالله .
عباد الله إذا علمنا هذه الحقائق ورأينا هذه الأمثلة فلنطبقها على أنفسنا فإن وجدنا أننا نتصف بها أو أنها تنطبق علينا فلنعلم أننا على خطر عظيم .
فإذا رأيت يا عبد الله أن نفسك تكره الخير وأهله وأماكنه وتكسل عن فعله وإتيانه وتميل إلى ما سواه فاعلم أنك على شفا جرفٍ هارٍ يوشك أن ينهار بك في الظلال ومن ثم في النار والعياذ بالله .
أيها الإخوة: لم يكن كلامي مجرد خواطر خيالية أو عباراتٍ منمقة أو زخارف من القول أو مجرد ملئاً للفراغ وإشغالاً للوقت ، وإنما هو ناتج عن تجربة ومشاهدة وإفرازٍ لواقعٍ مرير ، إلا أن الخير مازال في الأمة فنهاك من الناس من لو أقسم على الله لأبره فنهاك عباد وصالحون وهناك طلبة علمٍ ومثقفون وهناك دعاةٌ ومصلحون وهناك فضلاء خيرون وهناك رجالُ نساء سباقون إلى الخير حريصون عليه فلله درهم من أناس ثبتوا في زمن العربة وصمدوا في وجه المغريات ، فالله أسأل أن يجعلني وإياكم منهم بمنه وكرمه ورحمته .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أصل هذا الموضوع خطبة ألقيتها في جامع وادي جليل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق