وقفة مع آية من كتاب الله
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيه الإخوة: كتاب هو المعين الذي لا ينضب والبحر الذي لا تكدره الدلاء لا ينقص من كثرة الشاربين ولا يتغير من كثرة الواردين كلما ازداد عليه الطلب ازداد جمالاً وحسناً وسعة ووفرة لا يخلق على كثرة الرد ولا تنتهي عجائبه فيه خبر من قبلنا وحكم ما بيننا ونبأ من بعدنا هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار أذله الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به هدي إلى صراط مستقيم .
عباد الله سنعيش هذه الدقائق المباركة مع آيتين من كتاب الله جل وعلا نقرأ شيئاً من تفسيرها ونتفهم بعضاً من معانيها لعل الله عزوجل أن ينفعنا بمانقول ونسمع .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ [الأنعام: ١٦٢ – ١٦٣] قال الإمام السيوطي رحمه الله : أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: ذُ كِر لنا أن أبا موسى قال: وددت أن كل مسلم يقرأ هذه الآية مع ما يقرأ من كتاب الله .
عباد الله : إذا كانت صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا لله رب العالمين لا شريك له فإنه يجب علينا أن نخصلها لله تعالى ولا يجوز لنا أن نصرف منها شيئاً لغير الله عزوجل أو نستخدمها في معصيته. ولذلك فإن هذه الآية لم تبق شيئاً لغير الله عزوجل فقد أمر الله نبيه r أن يقول لكل من أشرك مع الله غيره أو صرف شيئاً من صلاته ونسكه ومحياه ومماته لغير الله: ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﮊ وهذا الأمر ليس خاصاً بالمشركين الذين بعث فيهم النبي r بل هو أمر لأمته إلى يوم القيامة .
فلا مجال أن تصرف من صلاتك أو نسكك أو محياك أو مماتك لغير الله كما أنه لامجال لتضييع الأوقات فالحياة كلها لله رب العالمين .
وبدأ الله عزوجل بالصلاة لكونها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ولكون تاركها كافراً سواءً كان تركه جحوداً أو كسلاً لقوله r : (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )) وأما الزكاة والصيام والحج فإن تاركها كسلاً لا يكفر . قال الإمام الشوكاني رحمه الله : والمراد بالصلاة جنسها فيدخل فيه جميع أنواعها، وقيل المراد بها هنا صلاة الليل وقيل صلاة العيد .
وقال فخر الدين الرازي: يدل قول الله عزوجل ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ على أنه لابد أن يؤدي الصلاة مع الأخلاص وأكده بقوله: ﮋ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﮊ وهذا يدل على أنه لا يكفي في العبادات أن يؤتى بها كيفما كانت بل يجب أن يؤتى بها مع تمام الإخلاص وهذا من أقوى الدلائل على أن شرط صحة الصلاة أن يؤتى بها مقرونة بالأخلاص .
وقال ابن عطية تفسيره: وقوله ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ أمر من الله عز وجل ـ للنبي r ـ أن يعلن بأن مقصده في صلاته وطاعته من ذبح وغيره وتصرفه مدة حياته وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته إنما هو لله عز وجل وإرادة وجهه وطلب رضاه .
وأما معنى قول الله عزوجل: ﮋ ﯖ ﮊ فقد اختلف العلماء في مرادها فقيل : إن المراد بها كل ما يذبح فلا بد أن يكون خالصاً لله تعالى سالماً من الشوائب .
وقيل: المراد بذلك الهدي والأضاحي مما يذبح في الحج والعمرة .
وقيل النسك جميع ما يتعبد به العبد من صلاة ودبح وغيرها.
قال الشنقيطي رحمه الله في تفسيره أضواء البيان : قال بعض العلماء المراد بالنسك هنا النحر ؛ لأن الكفار كانوا يتقربون لأصنامهم بعبادة من أعظم العبادات ، هي النحر فأمر الله تعالى نبيه أن يقول: إن صلاته ونحره كلاهما خالص لله تعالى ، ويدل لهذا قوله تعالى:
ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ .
قال بعض العلماء النسك جميع العبادات ويدخل فيه النحر.
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره : سئل مجاهد عن معنى قوله تعالى:
ﮋ ﯖ ﮊ قال ذبيحتي في الحج والعمرة .
ﮋ ﯖ ﮊ قال ذبيحتي في الحج والعمرة .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير : للمفسرين في معنى قول الله عزوجل ومحياي مماتي قولان:
أحدهما: أن معناه لا يملك حياتي ومماتي إلا الله .
والثاني: حياتي لله في طاعه ومماتي لله في رجوعي إلى جزائه.
ولنعلم جميعاً أن حياتنا ومماتنا كلها لله رب العالمين وملكاً من أملاكه لا نملك نحن التصرف فيها إلا بإذنه ولا يجوز لنا أن نفرط فيها أو نعص الله عزوجل بها ؟ . واسمع إلى هذه الموعظة البليغة لعلها أن تجد إلى قلبك طريقاً :
أقبل رجلٌ إلى إبراهيم بن أدهم رحمه الله فقال: يا شيخ إن نفسي تدفعني إلى المعاصي فعظني موعظةً ، فقال له إبراهيم: إذا دعتك نفسك إلى معصيةِ الله فاعصه ، ـ اسمع يامن ترغب في المعاصي ـ إذا دعتك نفسك إلى معصيةِ الله فاعصه ، ولا بأس عليك، ولكن لي إليك خمسة شروط قال الرجلُ: هاتها . قال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه ! فقال الرجل سبحان الله كيف أختفي عنه وهو لا تخفى عليه خافية ؟ فقال إبراهيم : سبحان الله أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك ؟ فسكت الرجل ثم قال: زدني . فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فلا تعصه فوق أرضه . فقال الرجل: سبحان الله وأين أذهب وكل ما في الكون له! فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله وتسكن فوق أرضه؟ قال الرجل: زدني ! فقال إبراهيم: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه . فقال الرجل: سبحان الله وكيف أعيش وكل النعم من عنده ! فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله وهو يطعمك ويسقيك ويحفظ عليك قوتك؟ قال الرجل : زدني! فقال إبراهيم: فإذا عصيت الله ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار فلا تذهب معهم ، فقال الرجل : سبحان الله وهل لي قوةً عليهم إنما يسوقونني سوقاً !! فقال إبراهيم : فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك فأنكر أن تكون فعلتها! فقال الرجل: سبحان الله فأين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون ! ثم بكى الرجل ومضى وهو يقول أين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون .
الله أكبر أين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون يا عباد الله ألا نستحيي من الله وكل حياتنا ومماتنا ملكاً من أملاكه ونحن خلقاً من خلقه وعبيداً من عبيده .
أيها الإخوة هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أصلها خطبة أليقتها في جامع وادي جليل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق