من أقوال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ

قولي صواب ويحتمل الخطأ وقول غير خطأ ويحتمل الصواب .



السبت، 17 سبتمبر 2016

القلوب وأقسامها ؛ بحث كنت قد كتبته قبل عدة سنوات ضمن برامج المسجد التي كنا نقوم بها .

 
القلوب وأقسامها
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحيه أجمعين أما بعد: فإن القلبَ ملكُ الجوارحِ والمهيمنُ عليها، وهو الذي إذا صَلَحَ صَلَحَتِ الجوارحِ كُلُها وإذا فَسَدَ فَسَدَتِ الجوارحِ كُلُها، ولذلك تعددت أوصافُه في القرآن الكريم و في سنة سيد المرسلين وفي كلام الأئمة المحققين . فقد جاء في كتابِ اللهِ عز وجل ذِكرُ القلبِ السليمِ , قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }[الشعراء 088-089] . كما جاءَ ذِكرُ القلبِ المطمئن، قال تعـالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }[الرعد 028] وجاء أيضاً ذكرُ القلبِ القاسي الذي لا ينتفعُ بالمواعظِ والآياتِ ، ولا تؤثر فيه الحوادثِ والمفزعاتِ ، قال تعــالى:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }[البقرة 074] وقد تَوَعْدَ اللهُ تِلْكَ القُلُوبَ عَلَى قَسْوَتِهَا فقال: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }[الزمر22]
أقسام القلوب
قَسَّمَ النبيُ r القلوبَ إلى قسمينِ: قلبٍ أسودَ منكوساً لا يعرفُ معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشربه  الفتنُ على القلوبِ كعرضِ الحصيرِ عوداً عوداً فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتتْ فيهِ نُكتَةٌ سوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتَتْ فيهِ نُكتَةٌ بيضاءُ حتىَّ تعودَ القلوبُ على قلبينِ: قلبٍ أسودَ مربادّاً  كالكوزِ مُجَخِّياً لا يعرفُ معروفاً ولا ينكرُ منكراً إلا ما أشربَ من هواه وقلبٍ أبيضَ ،فلا تضُرُّهُ فِتنةٌ ما دامتِ السماواتُ والأرضُ)) [رواه مسلم 144]
فالقلب الأسود هو القلب المنكوس الذي يقبلُ من الحقِ إلا ما وافقَ هَوَاهُ ، أما ما يُخالِفُ هَوَاهُ فإنه لا يقبله لا يعملُ بهِ .
وأما القلبُ الأبيضُ فهوَ الذي صَفَتْ سرِيرَتُهُ وأخْلَصَ لله في عبادتهِ  فكان أمرُ اللهِ ورسولهِ r  أحبَّ إليهِ من هَوَاهُ فلا يُقدِمُ على أمرِ اللهِ ورسولهِ r:شيئاً كائناً من كان .
        واعلم ـ أخي الحبيب ـ أن القلبَ أغلى ما يملِكُهُ الإنسان ، وهو الذي إذا صَلَحَ صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله قال r : (( ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )) متفق عليه.
وقال r : (( إن هذهِ القلوبَ تصدأ كما يصدأُ الحديد  إذا أصابه الماء قيل: يا رسول الله وما جلاؤها قال: كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن )) [رواه البيهقي في شعب الإيمان وأبو نعيم في الحلية ]
      وقال r (( إن هذه القلوبَ أوعيةٌ فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره ))[أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ].
ثم اعلم أخي الحبيب ـ وفقهك الله ـ أن الله عزوجل إذا أعطى العبدُ قلباً سليماً فقد أعطاه خيراً كثيراً وإن حرمَهُ من بعضِ مُتَعِ الدنيا ، وإذا حَرَمَهُ اللهُ القلبَ السليمَ فقد حَرَمَهُ خيراً كثيراً وإن أعطاه كثيراً من مُتَعِ الدنيا . قال r : (( إن الله عزوجل لا ينظرإلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)).
أمراض القلوب
ذكر النبيr:في هذا الحديث من أمراض القلوب، داءينِ عظيمينِ ومرضينِ خطيرينِ :
أحدهما: الشبهات، وذلك بأن يشتبهَ على القلبِ المعروفُ بالمنكرِ، فيُصبِحُ لا يعرفُ معروفاً ولا يُنكرُ منكراً إلا ما أشربه من هَوَاهُ ، وربَّما استحكمَ عليهِ المرضُ حتىَّ يعتقدَ المعروفَ منكراً ، والمنكرَ معروفاً والسنةَ بدعةً والبدعةَ سنةً والحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً .
وهذا هو حالُ المنحرفينَ في هذا الزمانِ ، الذين جعلوا المسلمينَ كفاراً والمؤمنينَ فجاراً ، وولاةَ الأمورَ ظلمةٌ يجبُ قِتَالُهُم , ومن ثم استباحوا دماءَ  المسلمينَ وترويعَ الآمنينَ وتدميرَ الممتلكاتِ ، وعدُّوا ذلكَ جِهاداً في سبيل الله .
        الثاني: الشهوات ، وذلك بان يُقدِمَ شَهَوَاتِهِ، على ما جاءَ بهِ الرسولُ r فلا يقبل إلا ما وافق هَوَاهُ ، وانْسَجَمَ مع رغباتِهِ ، وهذا في الحقيقةِ إنما هو عبدٌ لهواه .
        واعلم أخي الحبيب ـ حفظك الله ورعاك ـ أن علاجَ مرضَ القلوبِ وإصلاحَ ما فسدَ منها، إنَّما هو بالرجوعِ إلى كتابِ اللهِ وسنةِ رسول الله r فهو الأمرُ الذي صَلَحَ به أولُ هذه الأمةِ ولن يَصْلُحَ آخِرُهَا إلا بما صَلَحَ به أولُهَا . وبالله التوفيق ،،،،
 
        اعداد/ جبر بن عطيه فرج البجالي
إمام وخطيب جامع وادي جليل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق