بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنباء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه من النار سبعين خريف )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( أفضلُ الصيامِ بعدَ صيامِ رمضانَ شهرُ الله المحرم)) ، ولَمَّا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجد اليهود يعظمون يوم العاشر من المحرم، ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: (( مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ [فيه]بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى [شكراً لله تعالى]، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، ونحن نصومه تعظيماً له، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ)). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صامه ـ أي عاشوراء ـ وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) [البخاري].
أيها الإخوة : صوم عاشوراء وإن لم يعد واجباً فهو مما ينبغي الحرص عليه غاية الحرص، وذلك لما يأتي:
أولاً: أن صيامه يكفرُ السنةَ الماضية: ففي صحيح مسلم أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). وهذا من فضلِ اللهِ علينا أن أعطانا بصيامِ يومٍ واحداً تكفيرَ ذنوبِ سنةٍ كاملةٍ واللهُ ذو الفضلِ العظيم.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيامه: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صومَ يومٍ فضلَهُ على غيرهِ إلا هذا اليوم [يعني] يوم عاشوراء) [البخاري]. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ليس ليومٍ فضلِ على يومٍ في الصيامِ إلا شهرُ رمضان، ويومُ عاشوراء)) [رواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات].
ثالثاً: وقوعُ هذا اليومِ في شهرُ اللهِ المحرم الذي يسن صيامه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضلُ الصيامِ بعدَ صيامِ رمضانَ شهرُ الله المحرم)) [رواه مسلم والترمذي وقال: حديث حسن].
رابعاً: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يُصَوُّمونَ فيه صِبيانَهُم تعويداً لهم على الفضلِ، فعن الربيّْعَ بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم)) قالت: فكنا نصومُهُ بعدُ ونصوُّمُ صِبيانَنَا ونجعلُ لهم الُلعبةَ من العهنِ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكونَ عند الإفطار. [البخاري:1960].
خامساً: أن بعض السلف ـ رحمهم الله ـ كانوا يصومون يوم عاشوراء في السفر، ومنهم ابنُ عباسٍ وأبو إسحاق السبيعي والزهري، وكان الزهري يقول: رمضانَ له عدةٌ من أيامٍ أخر، وعاشوراء يفوتُ، ونص الإمام أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر. [لطائف:121].
والسنة في صوم هذا اليوم أن يصوم يوماً قبله أو بعده، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسع)) [مسلم].
وقد ذكر بعض الفقهاء أن صيام عاشوراء على ثلاثِ مراتب:
المرتبة الأولى: صوم التاسع والعاشر والحادي عشر.
والمرتبة الثانية : صوم التاسع والعاشر.
والمرتبة الثالثة: صوم العاشر وحده.[فقه السنة:3/127]، [زاد المعاد:2/76].
ولا يكره ـ على الصحيح ـ إفراد اليوم العاشر بالصوم كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
بقلم/ جبر بن عطية البجالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق